الجمعة، 3 فبراير 2012

جلستُ أقلب تركيزي بلا مبالاة بين صديقتي وقائمة المشروبات ، صديقتي هذه ثرثارة بطبيعتها ، لا تحتاج معها إلى إصغاء كثير بقدر ما تحتاج إلى الصبر الكثير .. ولكنك لا تستطيع إلا أن تحبها .
تك تك تك تك .. صوت المطر يضرب على الزجاج ، يريد ابتلاع وحشة هذا المقهى ، انزلقتُ في وشاحي أطلب بعض الدفء .. الجو بارد والحضور .. بارد !
فمن زاويتي قرأت بعض الوجوه الموجودة ، ولم ألحظ أي منها يحكي عن استرخاء أو اكتفاء ، لا استفزاز لصحو في هذا المساء ، حتى أوشك الملل أن يتسلل إلى روحي
لاحظتُه ..
على مسافة ثلاث طاولات ، رجل أقسم بأن اسمه في عالم الوسامة " أدونيس " ، عندما قال ( طاليس ) بأن كل شيء مليء بإله ، لا محالة كان يقصد هذا الرجل الذي يوحي بغابة مجنونة، مسترخية وراء صحراء من سكون !
شق عليّ أن أفهم سر جاذبيته الآسرة .. الشيطان نفسه لن يفهم سرها، وسهل عليّ إدراك حجم تأثيره علي من خلال الرجفة التي صعقتني مع التفاتة رأسه فقد تدفقت إلى جسدي بلا اعلان وأحكمت عليّ الارتعاش !
كلما تأملته ، كلما صرت أنتحر في بطء ، لفرط احتفائي بتأثيره !
اللعنة .. وسامته خارج نطاق الكلمات ، انني أشتاق إليه .. طوبى لجنوني يركب قطار أزرار قميصه الأسود !
جلس بلا اكتراث يدق بطرف اصبعه سطح طاولة تستغيث أن يرحمها من لمساته هذه المتناغمة مع الجمر ، رجولة حاضرة باكتمال تاااااام ومن خلفه زجاج نافذة مبتلة .. صورة حيّة لتراب الوطن لحظة شتاء تعانقه قطرات المطر : عِطرا !
كل أنثى حاضرة .. لن تحتاج إلى بوصلة كي تهتدي بأنه قنديل المكان ، يا الله كم أتمنى لو أنني شاعرة كي ألملمه على صدر قصيدة هي لي ، هذا الرجل ديوان شعر كامل يختصر القصائد البِكر العذرية !
يجلس وكأن مهمته الليلة : تعطيل عمل كل حواسي ، إلا حاسة الأنوثة ، قطعة حلوى تطارد رضابي !
صارت شهوتي إلى إثم يوصل إليه .. تطغى على شهوتي إلى الجنة !
بلا مقدمات .. رفع رأسه ليقع موقد عيناه علي ، ويستقر !
ارتجفتُ من هذه اللسعة وصرنا وحيدين نظراتنا ترد عنا ملايين العيون ، واختارت أم كلثوم لحظتها أن تقرأ علينا بـ :
يا حبيبي .. الليل وسماه ن ونجومو وئمرو
ئمرو وسهرو .. وانت وانا ، يا حبيبي أنا ، يا حياتي أنا !!!
استحال دمي إلى نبيذ أحمر يجري في عروقي يوزّع حالة سُكْر وتخدير آثمة .. بشعة ، لـــذيذة !
سألَتني صديقتي :
" شو تشربي ؟!! "
حين استطاع لساني أن يتحرك ، أجبتها زافرة :
" ئهوة .. ئهوة ، حلوة " !
حلوة !!! هل سمعتُ نفسي فعلا أطلب قهوة حلوة !!!
إن قهوتي بلا سُكّر !!!؟
عدت أختلس النظر إليه ، فسرق حصافتي وما رغبت في ان استردها ، أريد فقط أن أمضي معه إلى الحدود البعيدة التي تلصقنا معا في أغنية واحدة !!!
لاااا ، توقفي !
عليّ أن أقوم بواجبي تجاه أنوثتي ، عليّ أن أشعره بأنني لست عابئة .. بجمال فمه وأصابعه وأنفه و... !!!!
هذا الثلج الأبيض في شَعره يغتالني !
جسدي ما عاد جسدا ، صار بركانا يختصر كل حاجات البشر ، في واحدة !
استسلمتُ إلى الجنون .. نظراته وثورتي عجلتا دراجة تتحرك بتتابع وانسجام ، وعلى خَصر المكان التفت رغبتي .. إليه !
مهلا !
استقرت على صفحة وجهه رسالة !
تهكّم ؟
لا .. لا ،
ارتباك ؟!!!
بالله عليكِ !!!!؟ بالطبع لا ،
ماذا اذا !
بماذا يفكر !؟
هل يقرأ عليّ النُعاس ويعرف بأنني أجده السرير المريح !؟
هل يعجبه فستاني الأسود هذا ؟
ليتني اخترت هذه الليلة فستاني الأحمر وخلخالي الفضي ، ياااه كان سيناسب تماما ملحمة " أدونيس وفينوس " الواقعة بيننا الآن !
رائع !!!
حتى اللحظة ، صرت خارجة عن كل قوانين الاخلاق !
وهو لا يزال يسلبني اتزاني بهذا التامل المتراخي على وجهه ..
ان استمر يضربني بهذه النظرات ، سأقطع مسافة الطاولات الفاصلة هذه بلمح الغروب الذي أخذ يخيم على النافذة من خلفه ، لأعنّفه بعناق ساخط !
وسأصرخ : أفرغ مملكتك المزدحمه من النساء فقد جاءتك من آخر الأرض امرأة لم تعشق مثلها من قبل !
مممممم رائحة عطري المتكومة على وشاحي رائعة .. هل ستعجبه .. !
يا الله !!!
كيف أستطيع كل هذا الذي صرت أريده !؟
إنّ الفعل لغة ، ولغتي كلها صارت تختنق على صفحة عنقه وعند هذا الفم القاتل !
كفى .. سأجنّ !
حضرتني أحلام مستغانمي ، حينما كَتَبَت : .. ذلك أنه يلزمني الكثير من الفحولة لمواجهة البياض ، ومن لم ينجح في مقاربة أنثى ، لن يعرف كيف يقارب ورقة ، فنحن نكتب كما نمارس الحب ، البعض يأخذ الكتابة عنوة كيفما اتفق ، والآخر يعتقد أنها لا تمنحك نفسها إلا بالمراوغة .
أحلاااام !
تعالي انظري إلى هذا الرجل ، ان استطعتِ كتابة جملة واحدة أمامه ، سأمنحك وسام الشرف والطهر !
كل أسراري تحت هذا الفستان تريد أن تلثم عنقه ... هذه الرغبة ، موجة واحدة من سرب المحيط الذي يسيطر علي اللحظة !
من أين لي بساحرة طيبة .. خبيثة ، لا يهم .. المهم أن تحولني إلى سندريلا تسحر هذا الأمير !
ظلت نظراته تعصر جنوني ، ورجولته تستبيح أنوثتي وتسجل حقوق اهتمامي كلها إليه .. وتقول لي : تعالي نقبض على النار تعالي نقتل معا الوقار .
عندها ، وأمام حيرة حديث عيوننا بين الحاجة إلى اليقظة والحاجة إلى النوم ...
ملأ طاولته ظل .. أخرجه عن صمته الصلاة ، ليسأل بصوت الله وحده يعرف كيف يختصر رجولة الدنيا في نغماته :
_ أحمد ؟
_ اعذرني تأخرت عليك !
_ بسيطة ، خلينا نمشي .
تحسس بتعثر حتى أمسك بعصا بيضاء كانت إلى جانبه ، وأغلق نافذة وجهه بنظارة سوداء ، مستعينا بيد صديقه .. وغاب إلى خارج المقهى .

وترك أمر إطفاء ثورتي الشيطانية ، إلى صديقة مستمرة تثرثر بما لا أسمع و إلى فنجان قهوة حلو .. بارد !